الحلف بغير الله تعالى في القرآن و السنة

  ومن المباحث التی اختلف الوهابیین مع کل المسلمین سنة وشيعة هو مبحث القسم بغير الله ، حيث يعتبرون هذا النوع من الحلف حرامًا وشركًا في العبادة. و هذا ما ذهب ابن تيمية الحراني  إلى كونه شركاً، اعتماداً علي ما رواه الترمذي: «من حلف بغير اللّه فقد أشرك» و الوهابية بالتبع من ابن تيمية قالوا […]

 

ومن المباحث التی اختلف الوهابیین مع کل المسلمین سنة وشيعة هو مبحث القسم بغير الله ، حيث يعتبرون هذا النوع من الحلف حرامًا وشركًا في العبادة. و هذا ما ذهب ابن تيمية الحراني  إلى كونه شركاً، اعتماداً علي ما رواه الترمذي: «من حلف بغير اللّه فقد أشرك» و الوهابية بالتبع من ابن تيمية قالوا بشرك من حلف بغير الله تعالى،  فهذا «الصنعاني» ـ من مؤلّفي الوهّابيّة ـ يعتبر الحلف بغير اللّه شركاً!![1]  كما يعتبره مؤلّف «الهدية السنية» شركاً صغيراً.[2]

الحلف بغیر الله فی القرآن الکریم والسنّة النبویة

إنّ القرآن الكريم هو الثِقل الأكبر و القائد الأعلى و المثَل الحىّ لكلّ مسلم، وترى فيه الحلف بغير اللّه في عشرات المواضع منه،

فمثلا: أقسم اللّه تعالى ـ في سورة الشمس وحدها ـ بثمانية أشياء من مخلوقاته و هي : الشمس، ضُحى الشمس، القمر، النهار، الليل، السماء، الأرض، النفس الإنسانية  :    وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿١﴾ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ﴿٢﴾ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ﴿٣﴾ وَاللَّیْلِ إِذَا یَغْشَاهَا ﴿٤﴾ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴿٥﴾ وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴿٦﴾ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾ [3]

كما أقسم سبحانه في سورة «النازعات»: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴿١﴾ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴿٢﴾ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴿٣﴾ [4]

بثلاثة أشياء و أقسم بشيئين في سورة «المرسَلات» : وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ﴿١﴾ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ﴿٢﴾ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ﴿٣﴾  [5]

و كذلك ورَد الحلف بغير اللّه في سورة

«الطارق»: وَ السَّماءِ وَ الطَّارِقِ[6]

و «القلم»:ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ[7]

و«العصر» : وَالْعَصْرِ[8]

و «البَلد»:لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ[9]

و إليك نماذج من آيات الحلف بغيره سبحانه، من سُوَر أُخرى:

(وَ التّينِ وَ الزَّيْتُونِ * وَ طُور سينينَ * وَ هذا الْبَلَدِ الأَمينِ) [10]

(وَ الَّيْلِ اِذا يَغْشى * وَ النَّهارِ اِذا تَجَلّى) [11]

(وَ الفَجْرِ * وَ لَيال عَشْر * وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ * وَ اللَّيْلِ اِذا يَسْرِ)[12]

(وَ الطُّورِ * وَ كِتاب مَسْطُور * في رَقٍّ مَنْشُور * وَ الْبَيتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ * و الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)[13]

(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[14]

فكيف يجوز الحكم بأنّ الحلف بغير اللّه شرك و حرام، مع هذه الآيات القرآنية؟!

فإن قال قائل: إنّ هذا القَسَم خاصٌّ باللّه سبحانه.

فالجواب كلاّ… إنّ القرآن كتابُ هداية للبشر، و الناس يتّخذونه قدوة و أُسوة، فلو كان هذا النوع من الحلف حراماً على عباد اللّه، لكان المفروض أن يُحذّر منه القرآن و يذكر بأنّ هذا القَسم هو من خصائص اللّه تعالى، و عدم ذِكر ذلك دليلٌ على عدم اختصاصه به سبحانه.

و قد قال بعض مَن لا ذَوق له ـ ممّن يجهل أهداف القرآن ـ بأنّه يمكن أن يكون ما يصدر من اللّه جميلا، و صدور نفس ذلك الشيء من غيره قبيحاً؟!

و الجواب على هذا واضح، لأنّ الحلف بغير اللّه لو كان شركاً و تشبيهاً لغير اللّه باللّه، فلماذا صَدر هذا الشِّرك ـ الصغير أو المطلق ـ من اللّه تعالى؟!

أيصحّ أن يجعل اللّه لنفسه شريكاً، و يمنع غيره من ارتكاب مثل هذا الشِّرك؟!

 

الحلف بغير الله في السنة النبوية :

وأمّا السنّة فقد حلف النبی «صلى الله علیه وآله وسلم» فی غیر مورد بغیر اسم اللّه.

وأمّا السنّة فقد حلف النبی «صلى الله علیه وآله وسلم» فی غیر مورد بغیر اسم اللّه. ( و کل هذا اثبتها لک من کتب أهل السنة ):

الرواية الأولى :في صحيح مسلم : عن ‏ ‏أبي هريرة ‏، ‏قال : ‏ ‏جاء رجل إلى النبي ‏(ص) ، فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا ، فقال : أما وأبيك لتنبأنه ‏ ‏أن تصدق وأنت صحيح ‏ ‏شحيح ‏ ‏تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ‏ ، حدثنا : ‏ ‏أبو كامل الجحدري ‏ ، حدثنا : ‏ ‏عبد الواحد ‏ ، حدثنا : ‏ ‏عمارة بن القعقاع ‏ ‏بهذا الاسناد ‏ ‏نحو حديث ‏ ‏جرير ‏ ‏غير أنه قال : أي الصدقة أفضل.[15]

الرواية الثانية : عن ‏ ‏أبي هريرة ‏، ‏قال : ‏ ‏قال رجل : يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة ، قال : ‏ ‏أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك ‏ ، حدثنا : ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ، حدثنا : ‏ ‏شريك ‏ ‏، عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏وابن شبرمة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي هريرة ‏، ‏قال : ‏ ‏جاء رجل إلى النبي ‏ ‏(ص) ‏ ‏فذكر ‏ ‏بمثل حديث ‏ ‏جرير ‏ ‏وزاد ، فقال : نعم وأبيك لتنبأن ‏ ‏…[16]

الرواية الثالثة :  أخرج مسلم أیضاً: جاء رجل إلى رسول اللّه ـ من نجد ـ یسأل عن الاِسلام، فقال رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم): «خمس صلوات فی الیوم واللیل».

فقال: هل علیَّ غیرهنّ؟

قال: «لا…إلاّ أن تطوع»، وصیام شهر رمضان».

فقال: هلّ علیَّ غیره؟

قال: «لا… إلاّ تطوّع، وذکر له رسول اللّه الزکاة.

فقال الرجل: هل علیّ غیره؟

قال: «لا… إلاّ أن تطوّع».

فأدبر الرجل وهو یقول: واللّه لا أزید على هذا ولا أنقص منه.

فقال رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم): «أفلح ـ وأبیه [17]ـ إن صدق».

أو قال: «دخل الجنة ـ و أبیه ـ إن صدق».[18]

وقد حلف غیر واحد من الصحابة بغیره سبحانه، فهذا أبو بکر بن أبی قحافة على ما یرویه مالک فی موطّئه: أنّ رجلاً من أهل الیمن أقطع الید والرجل قدم فنزل على أبی بکر فشکا إلیه أنّ عامل الیمن قد ظلمه، فکان یصلی من اللیل، فیقول أبو بکر: «وأبیک ما لیلک بلیل سارق».[19]

وهذا الامام علی بن أبی طالب (علیه السلام) قد حلف بغیره سبحانه فی غیر واحد من خطبه:

  1. «ولعمری ما علیّمن قتال من خالف الحق وخابط الغی من إدهان ولا إیهان».[20]
  2. «ولعمری ما تقادمت بکم ولا بهم العهود». [21]

3.فقد روى الحر العاملي في (الوسائل) عن الكليني بسنده عن محمد بن يزيد الطبري, قال: كنت قائماً على رأس الرضا(ع) بخراسان, إلى أن قال: فقال: بلغني أنَّ الناس يقولون: إنّا نزعم أنَّ الناس عبيد لنا, لا وقرابتي من رسول الله(ص) ما قلته قطّ, ولا سمعت أحداً من آبائي قاله. [22]

4.وقد ورد في الباب ذاته من الوسائل في حديث سابق زيادة عما ذكر أعلاه: عن أبي جرير القمي, قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك, قد عرفت انقطاعي إلى أبيك, ثمَّ إليك, ثم حلفت له: وحقَّ رسول الله (ص), وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه, أنّه لا يخرج ما تخبرني به إلى أحد من الناس [23]

والفائدة من ذكر هذا الحديث هو إقرار الإمام (ع) لكلام المتكلم حال قسمه بغير الله. بإعتبار أن قول الإمام وفعله وتقريره حجّة فسكوت الإمام (تقريره) دليل على رضا الإمام بالقسم المذكور.

الإجابة إلى بعض ما استدلوا به الوهابية :

الحديث الأوّل:

«إنَّ رَسُولَ اللّه سَمِعَ عُمَرَ وَ هُوَ يَقُول، وَ أَبي، فَقالَ: إنَّ اللّه يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ، وَ مَنْ كانَ حالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللّه أوْ يَسْكُت».[24]

الجواب:

أوّلا: لعلّ النهي عن الحلف بالآباء قد جاء لأنّهم ـ في الغالب ـ كانوا مشركين و عَبَدة للأصنام، و لهذا فلا حُرمة و لا كرامة لهم حتى يحلف أحدٌ بهم.

و قد جاء في الحديث عن النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ :

«لا تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ وَ لا بِالطَّواغيت»[25]

و روي أيضاً:«لا تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ وَ لا بِأُمَّهاتِكُمْ وَ لا بِالأَنْدادِ».[26]

فاقتران الطواغيت، «والأنداد» بالآباء لدليل واضح على أنّ الآباء كانوا عبدتها.

ثانياً: إنّ المقصود من النهي عن الحلف بالأب هو ذلك الحلف الّذي يُفصل به في القضاء والخُصومات و حسم الخلافات، لأنّ علماء الإسلام اتفقوا على أنّ اليمين الّتي تحسم الخلاف و النزاع هو الحلف باللّه سبحانه و بصفاته فقط، أمّا سوى ذلك فلا.

مع وجود هذه القرائن الواضحة… كيف يمكن أن يقال بأنّ النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نهى عن الحلف بالمقدّسات ـ كالكعبة و القرآن و أولياء اللّه تعالى ـ مع العلم أنّ النهي خاصّ بمورد معيّن، و أنّ النبىّ بنفسه كان يحلف بغير اللّه؟

[1] تطهير الاعتقاد للصنعاني : 14.

[2] الهدية السنية: 25.

[3] وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿١﴾ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ﴿٢﴾ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ﴿٣﴾ وَاللَّیْلِ إِذَا یَغْشَاهَا ﴿٤﴾ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴿٥﴾ وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴿٦﴾ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾

[4]  ( النازعات: 1 ـ 3.)

[5] (المرسلات: 1 و 3.)

[6] الطارق :1

[7] القلم :1

[8] العصر :1

[9] البلد :1

[10] التين: 1 ـ 3.

[11] الليل: 1 ـ 2.

[12] الفجر: 1 ـ 4.

[13] الطور: 1 ـ 6.

[14] الحجر: 72.

[15] صحيح مسلم – كتاب الزكاة،باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح،الجزء : ( 3 ) – رقم الصفحة : ( 93 / 94 )

[16] صحيح مسلم – كتاب البر والصلة والاداب – باب بر الوالدين وأنهما أحق به ،الجزء : ( 8 ) – رقم الصفحة : ( 2 / 3 )

[17] أي: قَسَماً بأبيه: فالواو واو القَسم.

[18] صحيح مسلم في باب ما هو الإسلام ج1 ص32

[19] شرح الزرقانی على موطأ مالک: 4|159 برقم 580.

[20] نهج البلاغة: الخطبة 23و85.

[21] نهج البلاغة: الخطبة 23و85.

[22] (وسائل الشيعة 23: 261 كتاب الإيمان الباب 30 الحديث السابع).

[23] (المصدر السابق) .

[24] سنن ابن ماجة: 1 / 277، سنن الترمذي : 4 / 109 و غيرهما.

[25] سنن النسائي: 7 / 7; سنن ابن ماجة: 1 / 278، و الطواغيت: هي الأصنام.

[26] سنن النسائي: 7 / 9.