آفة الطلب من منظور الامام علي(ع)

إن أن للنجاح أسبابه، فكذلك للفشل أسبابه، وكما على من يريد النجاح أن يعرف أسباب النجاح ويأخذ بها، كذلك من يفشل عليه أن يبحث في الأسباب التي أدت به الفشل فيتلافاها ويعالجها.   ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “آفَةُ الْطَّلَبِ عَدَمُ النَّجاح”. وتحتمل هذه الجوهرة معنيين اثنين، يترتب على كل معنى منهما إجراءات […]

إن أن للنجاح أسبابه، فكذلك للفشل أسبابه، وكما على من يريد النجاح أن يعرف أسباب النجاح ويأخذ بها، كذلك من يفشل عليه أن يبحث في الأسباب التي أدت به الفشل فيتلافاها ويعالجها.

 

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “آفَةُ الْطَّلَبِ عَدَمُ النَّجاح”.

وتحتمل هذه الجوهرة معنيين اثنين، يترتب على كل معنى منهما إجراءات يجب أن يقوم المرء بها:  المعنى الأول: أن للإنسان حاجات مختلفة يسعى في طلبها، ينجح في بعضها ويُخفِق في بعضها الآخر، وإن للنجاح أسبابٌ وللفشل أسبابٌ، وعلى المَرءِ أن يتعلَّم من نجاحه ويتعرف على الأسباب التي قادته إليه، ويتَّبعها في كل عمل يريد أن يقوم به، أو حاجة يريد الحصول عليها في المستقبل.

ومِمّا لا شك فيه أن الكون كله قائم على نظام سَبَبي، فلكل ظاهرة من ظواهره سبب، والإنسان كذلك محكوم في حركته في الحياة لعدد كبير من الأسباب، فلا يمكنه النجاح في أي عمل يعمله إلا إذا أخذ بأسبابه، ومن تلك الأسباب: السَّعي وبذل الجهد المطلوب سواء كان جهداً فكرياً أم جُهدا بدنياً، قال تعالى: “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴿39﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ” ﴿40/ النجم﴾.

وقد ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ لنا سبَبَ اتساع سيطرة ذو القرنين على مساحات شاسعة من الأرض ونفوذه فيها فأشار إلى أنه أخذ بالأسباب الطبيعية والمعنوية واعتمدها في حركته العظيمة، قال تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴿83﴾ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴿84﴾ فَأَتْبَعَ سَبَبًا”﴿85/ الكهف﴾ لقد مكَّنَ الله له في الأرض، فأعطاه سلطاناً وطيد الدعائم، ويَسَّرَ له أسباب النجاح فيما يرومه،  أعطاه القوة والسلطة والسيطرة، وآتاه من كل شيء سبباً من الوسائل الفكرية والمادية والروحية، والعقل المتوقِّد، والعلم الكافي، والإدارة السليمة، فأخذ بتلك الأسباب مجتمعة فتحقَّقَ له ما أراد.وهكذا الشأن في غيره من البشر، فمن أخذ بالأسباب تحققت له الحاجات، ونال ما أراد، ومن لم يأخذ بالأسباب أخفق وفشل، كائناً من يكون.

وكما أن للنجاح أسبابه، فكذلك للفشل أسبابه، وكما على من يريد النجاح أن يعرف أسباب النجاح ويأخذ بها، كذلك من يفشل عليه أن يبحث في الأسباب التي أدت به الفشل فيتلافاها ويعالجها.

المعنى الثاني: أن للإنسان حاجات كثيرة ومتنوعة، وهو محتاج إلى أخيه الإنسان في الكثير منها، إذ لا يمكنه أن يحصل عليها كلها بمفرده، فلا قدراته تسمح بذلك، ولا إمكانياته، ولا وقته يستوعبها جميعاً، فيضطَرُّ إلى طلبها من الآخرين أو الاستعانة بهم عليها، والناس مختلفون في المَعونة، فمنهم من يبذل العَون لطالبه ويقضي الحاجة لمن يسأله، ويرى ذلك واجباً أخلاقياً عليه، أو واجباً شرعياً يتقرَّب به إلى الله تعالى، فطالب الحاجة من هذا النوع لا يَخيب، وظَنُّه في مَحَلِّهِ.

وقد جاء في الحديث عن الإمامُ الحسينُ (ع): “لا تَرْفَعْ حاجَتَكَ إلّا إلى‏ أحدِ ثَلاثةٍ: إلى‏ ذِي دِينٍ، أو مُروّةٍ، أو حَسَبٍ؛ فأمّا ذو الدِّينِ فيَصُونُ دِينَهُ، وأمّا ذو المُروّةِ فإنّهُ يَسْتَحيي لِمُرُوَّتهِ، وأمّا ذو الحَسَبِ فيَعْلَمُ أنّكَ لَم تُكْرِمْ وَجهَكَ أنْ تَبْذِلَهُ لَهُ في حاجَتِكَ، فهُو يَصونُ وَجهَكَ أنْ يَرُدَّكَ بغَيرِ قَضاءِ حاجَتِكَ”.

ومنهم من يمنع العَون وينكل عن قضاء حاجة المحتاج، فيخفِق المحتاج في الحصول على حاجته منهم، وهذا النوع يُفَضَّلُ للمَرء ألا يطلب منهم حاجة.

وقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “قلتُ: اللَّهُمَّ لا تُحْوِجْني إلى‏ أحَدٍ مِن خَلقِكَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ (ص): يا عليُّ، لا تَقُولَنَّ هكذا، فلَيس مِن أحَدٍ إلّا وهُو مُحتاجٌ إلى‏ النّاسِ. قالَ: فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، فما أقولُ؟ قالَ: قُل: اللَّهُمَّ لا تُحْوِجْني إلى‏ شِرارِ خَلْقِكَ. قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، مَن شِرارُ خلقِهِ؟ قالَ: الّذينَ إذا أعْطَوا مَنُّوا وإذا مَنَعوا عابُوا”.