غسل الرجلین فی الوضوء مخالف للقرآن الکریم

لماذا  أهل السنة والجماعة يغسلون أرجلهم عند الوضوء ولا يمسحون عليها  بينما الشيعة الإمامية يمسحون على أرجلهم؟! وهاهنا نسأل : أيٌ مِن الفريقين في هذه المسألة يمثل المذهب الحقّ بينما يمثل الآخر المذهب البدعي ؟؟!! نحن في الجواب عن هذا السؤال لا نطيل  الكلام  هنا ونذهب مباشرة إلى القرآن الكريم الذي شرّع لنا هذه الفريضة […]

لماذا  أهل السنة والجماعة يغسلون أرجلهم عند الوضوء ولا يمسحون عليها  بينما الشيعة الإمامية يمسحون على أرجلهم؟!

وهاهنا نسأل : أيٌ مِن الفريقين في هذه المسألة يمثل المذهب الحقّ بينما يمثل الآخر المذهب البدعي ؟؟!!

نحن في الجواب عن هذا السؤال لا نطيل  الكلام  هنا ونذهب مباشرة إلى القرآن الكريم الذي شرّع لنا هذه الفريضة بالتفصيل .. يقول الله  تعالى في سورة المائدة ، الآية 6 : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ }.

و للتوضيح هناك قراءتان معروفتان لكلمة «أَرْجُلَكُمْ»، قراءة بالجر (كسر حرف اللام) برواية جمع من القراء المشهورين، مثل حمزة و أبي عمر و ابن كثير، و حتي عاصم (موافق لرواية أبي بكر)، و جمع آخر من المشهورين أيضاً قرءوها بالنصب، و جميع المصاحف الحالية مكتوبة علي وفقها.

و لكن لا يوجد أي فرق في المعني بين هاتين القراءتين.

لأنّا إذا قرأناها بالكسر فواضح أنّها معطوفة علي «بِرُؤُسِكُمْ» و معناها أن تمسح القدمين في الوضوء، (كما تمسح الرأس).

فهل يعاب علی الشيعة العمل علي وفق هذه القراءة التي يذهب إليها الكثيرون؟

و فی قراءة حفص عن عاصم تقرأ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) بالنصب يعني أن اللام هنا منصوبة

( وَأَرْجُلَكُمْ ) بالنصب وأنت إذا تلقيت الكلام مخلي الذهن غير مشوب الفهم لم يلبث دون أن تقضي أن « أَرْجُلَكُمْ » معطوف على موضع « بِرُؤُسِكُمْ » وهو النصب ، وفهمت من الكلام وجوب غسل الوجه واليدين ، ومسح الرأس والرجلين ، ولم يخطر ببالك أن ترد « أَرْجُلَكُمْ » إلى « وُجُوهَكُمْ » في أول الآية مع انقطاع الحكم في قوله : « فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ » بحكم آخر وهو قوله : « فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ » ، فإن الطبع السليم يأبى عن حمل الكلام البليغ على ذلك ، وكيف يرضى طبع متكلم بليغ أن يقول مثلا : قبلت وجه زيد ورأسه ومسحت بكتفه ويده بنصب يد عطفا على « وجه زيد » مع انقطاع الكلام الأول ، وصلاحية قوله « يده » لأن يعطف على محل المجرور المتصل به ، وهو أمر جائز دائر كثير الورود في كلامهم.[1]

و یمکن أن يقول شخص بأن لا يجوز العطف على المحل .

فنرد عليه و نقول له إنك لم تطلع على كتاب نحوي و لو ورقت كتب النحو لوجدتها واضحة جلية كوضوح الشمس في رابعة النهار وهذايدل على أنك تقول بما لا تعلم و هذا هو الذي جعلك تخطأ بما هو واضح عند كل ذي لسان عربي :

فهذا ابن هشام الأنصاري في كتابه مغني اللبيب :

أَقسَام الْعَطف

وَهِي ثَلَاثَة

1 – أَحدهَا الْعَطف على اللَّفْظ وَهُوَ الأَصْل ….[2]

2 – وَالثَّانِي الْعَطف على الْمحل…[3]

والثالث: العطف على التوهم

و قال السيوطي في الاتقان :

قَاعِدَةٌ فِي الْعَطْفِ

هُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

عَطْفٌ عَلَى اللَّفْظِ: وَهُوَ الْأَصْلُ وَشَرْطُهُ إِمْكَانُ تَوَجُّهِ الْعَامِلِ إِلَى الْمَعْطُوفِ.

وَعَطْفٌ عَلَى الْمَحَلِّ: وَلَهُ ثلاث شُرُوطٍ:

وَعَطْفُ التَّوَهُّمِ: نَحْوَ: “لَيْسَ زَيْدٌ قَائِمًا وَلَا قَاعِدٍ ” بِالْخَفْضِ عَلَى تَوَهُّمِ دُخُولِ الْبَاءِ فِي الْخَبَرِ. وَشَرْطُ جَوَازِهِ صِحَّةُ دُخُولِ ذَلِكَ الْعَامِلِ الْمُتَوَهَّمِ وَشَرْطُ حُسْنِهِ كَثْرَةُ دُخُولِهِ هُنَاكَ.[4]

و نحن هنا نذكر من قال من علماء أهل السنة بالنسبة إلى مسح الأرجل بإستدلال هذه الآية الكريمة :

قال ابن حزم في ( المحلى ) : ( مسألة : وأما قولنا في الرجلين فإن القرآن نزل بالمسح . قال الله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم } وسواء قُرِأ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس : إما على اللفظ وإما على الموضع ، لا يجوز غير ذلك . لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة . وهكذا جاء عن ابن عباس : نزل القرآن بالمسح – يعني في الرجلين في الوضوء – وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري ، ورويت في ذلك آثار . منها أثر من طريق همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثنا علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه – هو رفاعة بن رافع – أنه سمع رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يقول : إنها { لا تجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين } . وعن إسحاق بن راهويه ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن عبد خير عن علي ” كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يمسح ظاهرهما ” )[5] انتهى

و قال فخر الرازی فی تفسیره مفاتیح الغیب :

المَسْألَةُ الثّامِنَةُ والثَّلاثُونَ: اخْتَلَفَ النّاسُ في مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ وفي غَسْلِهِما، فَنَقَلَ القَفّالُ في تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وأنَسِ بْنِ مالِكٍ وعِكْرِمَةَ والشَّعْبِيِّ وأبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الباقِرِ: أنَّ الواجِبَ فِيهِما المَسْحُ، وهو مَذْهَبُ الإمامِيَّةِ مِنَ الشِّيعَةِ. وقالَ جُمْهُورُ الفُقَهاءِ والمُفَسِّرِينَ: فَرْضُهُما الغَسْلُ، وقالَ داوُدُ الأصْفَهانِيُّ: يَجِبُ الجَمْعُ بَيْنَهُما وهو قَوْلُ النّاصِرِ لِلْحَقِّ مِن أئِمَّةِ الزَّيْدِيَّةِ. وقالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ ومُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: المُكَلَّفُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ المَسْحِ والغَسْلِ.

حُجَّةُ مَن قالَ بِوُجُوبِ المَسْحِ مَبْنِيٌّ عَلى القِراءَتَيْنِ المَشْهُورَتَيْنِ في قَوْلِهِ: ﴿وأرْجُلَكُمْ﴾ فَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وحَمْزَةُ وأبُو عَمْرٍو وعاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ عَنْهُ بِالجَرِّ، وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ وعاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ بِالنَّصْبِ، فَنَقُولُ: أمّا القِراءَةُ بِالجَرِّ فَهي تَقْتَضِي كَوْنَ الأرْجُلِ مَعْطُوفَةً عَلى الرُّءُوسِ، فَكَما وجَبَ المَسْحُ في الرَّأْسِ فَكَذَلِكَ في الأرْجُلِ.

فَإنْ قِيلَ: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: هَذا كُسِرَ عَلى الجِوارِ كَما في قَوْلِهِ: ”جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ“، وقَوْلِهِ:

كَبِيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلٍ

قُلْنا: هَذا باطِلٌ مِن وُجُوهٍ:

الأوَّلُ: أنَّ الكَسْرَ عَلى الجِوارِ مَعْدُودٌ في اللَّحْنِ الَّذِي يُتَحَمَّلُ لِأجْلِ الضَّرُورَةِ في الشِّعْرِ، وكَلامُ اللَّهِ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ.

وثانِيها: أنَّ الكَسْرَ إنَّما يُصارُ إلَيْهِ حَيْثُ يَحْصُلُ الأمْنُ مِنَ الِالتِباسِ كَما في قَوْلِهِ: ”جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ“، فَإنَّ مِنَ المَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أنَّ الخَرِبَ لا يَكُونُ نَعْتًا لِلضَّبِّ بَلْ لِلْجُحْرِ، وفي هَذِهِ الآيَةِ الأمْنُ مِنَ الِالتِباسِ غَيْرُ حاصِلٍ.

وثالِثُها: أنَّ الكَسْرَ بِالجِوارِ إنَّما يَكُونُ بِدُونِ حَرْفِ العَطْفِ، وأمّا مَعَ حَرْفِ العَطْفِ فَلَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ العَرَبُ، وأمّا القِراءَةُ بِالنَّصْبِ فَقالُوا أيْضًا: إنَّها تُوجِبُ المَسْحَ، وذَلِكَ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ ”فَرُءُوسُكم“ في مَحَلِّ النَّصْبِ ولَكِنَّها مَجْرُورَةٌ بِالباءِ، فَإذا عَطَفْتَ الأرْجُلَ عَلى الرُّءُوسِ جازَ في الأرْجُلِ النَّصْبُ عَطْفًا عَلى مَحَلِّ الرُّءُوسِ، والجَرُّ عَطْفًا عَلى الظّاهِرِ، وهَذا مَذْهَبٌ مَشْهُورٌ لِلنُّحاةِ.

إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: ظَهَرَ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عامِلُ النَّصْبِ في قَوْلِهِ: ﴿وأرْجُلَكُمْ﴾ هو قَوْلَهُ: ﴿وامْسَحُوا﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ هو قَوْلَهُ: ﴿فاغْسِلُوا﴾ لَكِنِ العامِلانِ إذا اجْتَمَعا عَلى مَعْمُولٍ واحِدٍ كانَ إعْمالُ الأقْرَبِ أوْلى، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ عامِلُ النَّصْبِ في قَوْلِهِ: ﴿وأرْجُلَكُمْ﴾ هو قَوْلَهُ: ﴿وامْسَحُوا﴾ فَثَبَتَ أنَّ قِراءَةَ ﴿وأرْجُلَكُمْ﴾ بِنَصْبِ اللّامِ تُوجِبُ المَسْحَ أيْضًا، فَهَذا وجْهُ الِاسْتِدْلالِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى وُجُوبِ المَسْحِ، ثُمَّ قالُوا: ولا يَجُوزُ دَفْعُ ذَلِكَ بِالأخْبارِ لِأنَّها بِأسْرِها مِن بابِ الآحادِ، ونَسْخُ القُرْآنِ بِخَبَرِ الواحِدِ لا يَجُوزُ.[6]

و قال ابن هشام الأنصاري في في شذور الذهب في معرفة كلام العرب ج1 ص 369 : و يرجح ذلك القول ثلاثة أمور: أحدها: أن الحمل على المجاورة حمل على شاذ؛ فينبغي صون القرآن عنه، الثاني أنه إذا حمل على ذلك كان العطف في الحقيقة على الوجوه و الأيدي؛ فيلزم الفصل بين المتعاطفين بجملة أجنبية و هو وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ‌ و إذا حمل على العطف على الرؤوس لم يلزم الفصل بالأجنبي، و الأصل أن لا يفصل بين المتعاطفين بمفرد فضلا عن الجملة، الثالث: أن العطف على هذا التقدير حمل على المجاور، و على التقدير الأول حمل على غير المجاور، و الحمل على المجاور أولى.

إذن فالقرآن الكريم جاء بالمسح لا الغسل …فمن أين جاء الحكم بغسل الرجلين عند القوم يا ترى ؟؟!!

قالوا : جاءنا من الروايات … ولا أريد هنا أن أطيل الكلام في مناقشة دلالة هذه الروايات أو أسانيدها .. بل أريد أن أسأل سؤالا واحدا فقط  وأقول : هل معنى كلامكم هذا  أن حكم المسح الذي جاء به القرآن الكريم هو منسوخ عندكم بحكم الغسل الوارد من السنة التي تروونها أم  ماذا ؟؟!!

فإن قالوا : نعم ، هو منسوخ بحكم السنّة التي جاءت بالغسل ، فهم بذلك يكونون قد خالفوا ما عليه القرآن الكريم وأقوال أئمتهم وعلمائهم المتقدّم ذكرهم في هذا الجانب .

فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }[7]…ومن الواضح جدا ان السنة لا تساوي القرآن الكريم ولا تكون خيرا منه.

وسئل الإمام أحـمد : تنسخ السنّة شيئًا مِن القرآنِ ؟ قـال :” لا يُنْسَخُ القرآنُ إلاّ بالقرآنِ “.[8]

وعن الشافعي : :” وأبانَ الله لهم أنّه إنّمَا نسخَ ما نسخَ مِن الكتابِ بالكتابِ ، وأنّ السنّةَ لا ناسخة للكتابِ وإنّمَا هي تَبَعٌ للكتابِ “.[9]

وجاء عن ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) : ( وهم إنما كانوا يقضون بالكتاب أولا لأن السنة لا تنسخ الكتاب فلا يكون في القرآن شيء منسوخ بالسنة بل إن كان فيه منسوخ كان في القرآن ناسخه فلا يقدم غير القرآن عليه) .انتهى[10]

وهذا الكلام لهؤلاء الأعلام من المخالفین – كما تراه – لم يفرق بين عدم جواز نسخ السنة للقرآن ، سواء كانت من أخبار الآحاد أو كانت متواترة ، فكل ذلك ممنوع عندهم ، بل حتى لو فرض أنّه وجدنا من أهل السنّة من يقول بجواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة – كما هو المنقول عن أبي الحسن الأشعري مثلا – فهو مجرد فرضية لم يثبت لها واقع خارجا كما يصرح بذلك ابن تيمية ..

يقول ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) :” وبالجملةِ فلَمْ يثبت أنّ شيئًا مِن القرآنِ نُسِخَ بِسُنَّةٍ بلا قرآنٍ ” .[11]

هذا فضلا عن عدم ثبوت التواتر للأخبار المعارضة لحكم المسح في القرآن .. بل هي أخبار آحاد كما شهد به الرازي وغيره .

قال الرازي في ( مفاتيح الغيب ) : ( فثبت أن قراءة وأرجلكم بنصب اللام توجب المسح أيضا …ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد ، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز ) .[12] انتهى

هذا ، فضلا عن معارضة هذه الأخبار الآحاد بأخبار كثيرة من السنة نفسها ورد فيها لزوم المسح على الرجلين ، كالحديث الوارد عن رفاعة بن رافع أنه كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم فقال : إنّها لا تتم صلاة لاحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين .[13]

فلاحظ قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هنا : ( إنّها لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله ) .. فالمسح على الرجلين هو أمر الله تعالى، وبدونه لا تتم الصلاة ، وهذا يعارض دعوى بأنّ الشريعة جاءت بالغسل للرجلين كما يزعم البعض  ..

وقد علق الشيخ الألباني في ذيل هذا الحديث على قول المنذري ( رواه ابن ماجة باسناد جيد ) : ( وهذا يوهم أنه لم يروه من السنة سوى ابن ماجة ، وليس كذلك ، فقد أخرجه ابو داود والنسائي والدارمي ، واسنادهم على شرط البخاري ، وصححه الحاكم 1: 241على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، هؤلاء أخرجوه في حديث المسيء صلاته ) .[14]

و نقل القرطبی فی تفسیره :

… قد روي ، عن ابن عباس : أنه قال : الوضوء غسلتان ومسحتان.

– …. وروي أن الحجاج خطب بالأهواز فذكر الوضوء ، فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ، فانه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما ، فسمع ذلك أنس بن مالك ، فقال : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله وتعالى : { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ( المائدة : 6 ) } قال : وكان إذا مسح رجليه بلهما.

– …. وكان عكرمة يمسح رجليه ، وقال : ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح.

– …. وقال عامر الشعبي : نزل جبريل بالمسح …[15]

و نقل اسیوطی  فی الدر المنثور   ایضا الروایات التی تقول بالمسح علی الرجلین :

– …. وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ( المائدة : 6 ) } قال : هو المسح.

– …. وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وابن ماجه ، عن ابن عباس ، قال : أبى الناس إلا الغسل ولا أجد في كتاب الله إلا المسح.

– …. وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، عن ابن عباس ، قال : الوضوء غسلتان ومسحتان.

– …. وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن ابن عباس ، قال : افترض الله غسلتين ومسحتين ، ألا ترى انه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين وترك المسحتين.

– …. وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، عن أنس : أنه قيل له ان الحجاج خطبنا ، فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤسكم وأرجلكم وانه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيهما ، فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله : { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ( المائدة : 6 ) } وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما)[16].

و نقل ابن کثیر في تفسيره هذه الروایات و اشا الی الاختلاف التی کان بین الصحابة و التابعين و من بعدهم :

– …. وقال ابن جرير : حدثنا : أبو كريب ، حدثنا : محمد بن قيس الخراساني ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال الوضوء غسلتان ومسحتان ، وكذا روى سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة.

– …. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا : أبي ، حدثنا : أبو معمر المنقري ، حدثنا : عبد الوهاب ، حدثنا : علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس : { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ( المائدة : 6 ) } قال هو المسح.

– …. وقال ابن جرير : حدثنا : يعقوب ، حدثنا : ابن علية ، حدثنا : أيوب ، قال : رأيت عكرمة يمسح على رجليه ، قال : وكان يقوله.

– …. وقال ابن جرير : حدثني : أبو السائب ، حدثنا : ابن ادريس ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، قال : نزل جبريل بالمسح.[17]

وبالتالي ستتعارض الروايات  عند أهل السنة أنفسهم ( لأن بعضها يقول بالغسل وبعضها يقول بالمسح ) ، وعند التعارض المستقر وعدم إمكان الجمع بين المتعارضين يصار إلى تساقط المتعارضين معا عن الحجية ، وحيث تساقطت الأخبار يكون المرجع هو كتاب الله العزيز الوارد فيه حكم المسح لا الغسل وبذلك يثبت المطلوب ، أي يثبت لزوم المسح دون الغسل ..

محاولة بالجمع بين المتناقضين في المقام :نعم ، هناك محاولة من الفخر الرازي قد ذكرها في تفسيره  ،فقال: ( أن الغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس ، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط ، فوجب المصير إليه ).[18]

فقد أجاب عن هذه الشبهة سماحة العلامة السيد الطباطبايي  رحمة الله عليه في تفسيره الميزان :

وهذا من أردإ الوجوه ، فإن المسح غير الغسل ولا ملازمة بينهما أصلا. على أن حمل مسح الأرجل على الغسل دون مسح الرءوس ترجيح بلا مرجح. وليت شعري ما ذا يمنعه أن يحمل كل ما ورد فيه المسح مطلقا في كتاب أو سنة على الغسل وبالعكس وما المانع حينئذ أن يحمل روايات الغسل على المسح ، وروايات المسح على الغسل فتعود الأدلة عن آخرها مجملات لا مبين لها؟.[19]

و قال الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله و رعاه : أنّ ما يقوله إنّ الغسل يشمل المسح دون العكس فانّه خال من الغسل، غير صحيح، لأنّ المراد من الغسل في المقام هو إسالة الماء على العضو، كما أنّ المراد من المسح فيها هو إمرار اليد على العضو بالبلل المتبقّى في اليد، وعندئذ يُصبح الغَسْل والمسح فريضتين مختلفتين على نحو يغاير كلّ الآخر، فلا الغسل يشتمل على المسح ولا المسح على الغسل .[20]

فنحن نقول  : هذا الكلام – في الواقع – غريب  من الفخر الرازي ؛ خاصة وهو المتضلع في المفاهيم والمعاني ؛ لأن الغسل والمسح مفهومان مختلفان ( وجودي وعدمي ) ، وأحدهما غير الآخر ، فالغسل قد أخذ في مفهومه سيلان الماء على المغسول ولو قليلا ( أي وجود سيلان للماء ) ، وأما المسح فقد أخذ في مفهومه عدم السيلان والاكتفاء بمرور اليد على الممسوح ( أي عدم وجود سيلان للماء ).. وعليه ، فكيف ساغ للرازي أن يجعل المفهومين المختلفين – الوجودي والعدمي ؛ إذ أحدهما يشترط وجود السيلان والثاني عدمه – ضمن حقيقة واحدة ينبغي إيجادها خارجا ؟؟!!

فقد جاء في موقع اسلام ويب حول الغسل للطهارة :

واعلم أن الغسل لا يتحقق، إلا بجريان الماء على العضو المغسول، وهذا موضع اتفاق بين الفقهاء، قال النووي في روضة الطالبين: يشترط في غسل الأعضاء: ‌جريان ‌الماء ‌على ‌العضو، بلا خلاف. اهـ. وقال في المجموع: أجمع العلماء على أن الجنب لو مسح بدنه بالماء، وكرر ذلك، لا ترتفع جنابته، بل يشترط جري الماء على الأعضاء. اهـ.[21]

فبالنتيجة :

ان المسح على الرجلين مما ثبت في القواعد النحوية بأنه القرآن الكريم يبين المسح لا الغسل و هذا ما صرح به كبار علماء أهل السنة  و أن الروايات المخالفين متعارضة و عند التعارض نراجع إلى القرآن الكريم و ما خالف كتاب الله نضربه عرض الجدار .

ناصر باوي

[1] تفسير الميزان ، ج 5، ص222

[2] مغني اللبيب ج1 ص 615

[3] المصدر السابق ، ج 1 ص 616 : ثم يأتي بأمثلة مختلفة ونحن نذكر مثالا واحدا : إِحْدَاهَا إِن زيدا وَعَمْرو قائمان وَذَلِكَ لِأَن الطَّالِب لرفع زيد هُوَ الِابْتِدَاء والابتداء هُوَ التجرد والتجرد قد زَالَ بِدُخُول إِن

[4] الاتقان في علوم القران ،السيوطي، جلال الدين    ،ج : 2  ،ص : 380

[5] المحلى 2: 56.

[6] تفسير فخر الرازي ذيل آية 6 من سورة المائدة

[7] البقرة : 106.

[8] جامع بيان العلم وفضله 2 : 564.

[9] الرسالة للشافعي :106 .

[10] محموع الفتاوى 19 : 196.

[11] مجموع فتاوى ابن تيمية 20 : 398 .

[12] مفاتيح الغيب 11: 161.

[13] صحيح الترغيب والترهيب – محمد ناصر الدين الألباني : 208 .

[14] صحيح الترغيب والتهذيب : 208.

[15] القرطبي – تفسير القرطبي – الجامع لأحكام القرآن، سورة المائدة : 6 – قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ }،الجزء : ( 6 ) – رقم الصفحة : ( 56 )

[16] السيوطي – الدر المنثور في التفسير بالمأثور – سورة المائدة : 6 ،الجزء : ( 3 ) – رقم الصفحة : ( 28 / 29

[17] ابن كثير – تفسير ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة المائدة : 6 – تفسير قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ }،الجزء : ( 3 ) – رقم الصفحة : ( 52 )

[18] تفسير الرازي 11: 161.

[19] الميزان في تفسير القرآن ،ج5 ، ص223

[20] الوضوء على ضوء الكتاب والسنّة ، السبحاني، الشيخ جعفر،    ج : 1  ، ص : 47

[21] سايت اسلام ويب ، تاريخ النشر:الثلاثاء 20 ربيع الأول 1443 هـ – 26-10-2021 م ، رقم الفتوي 449389