الولاية عند الشيعة أهمّ من التوحيد

الشبهة : ولاية أهل البيت (عليهم السلام) عند الشيعة أهمّ من التوحيد . الجواب : أوّلاً : التوحيد أساس الدين إنّ أصل التوحيد عند الشيعة الإمامية ، يأتي في الذروة ويحتل موقع الصدارة في المنظومة الدينية ، هذا ما نلمسه واضحاً عند مراجعة بسيطة لمصادر الشيعة في ذلك ، ويكفي للقارئ مراجعة سريعة لمجامعنا الحديثية […]

الشبهة :
ولاية أهل البيت (عليهم السلام) عند الشيعة أهمّ من التوحيد .

الجواب :
أوّلاً : التوحيد أساس الدين
إنّ أصل التوحيد عند الشيعة الإمامية ، يأتي في الذروة ويحتل موقع الصدارة في المنظومة الدينية ، هذا ما نلمسه واضحاً عند مراجعة بسيطة لمصادر الشيعة في ذلك ، ويكفي للقارئ مراجعة سريعة لمجامعنا الحديثية ليجد الأحاديث المتضافرة والمتواترة في ذلك ، والتي تؤكّد على أنّ كل الكمالات لله تعالى ، بحيث لا يشذّ عنه كمال ، بل له من كل كمال وجودي أعلاه وأشرفه ، وهذا يعد من الأصول الأساسية عند الشيعة .
ومَن يتأمّل في حصيلة النصوص الروائية الشريفة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) يتضح له أنّ مفتاح الولوج إلى عالم التوحيد الرحيب يكمن في معرفته تعالى معرفة حقيقية ، وهذه الفكرة لخّصها أمير المؤمنين (عليه السلام) في أوّل خطب النهج بقوله : ( أوّل الدين معرفته ) (1) ، وبموازاة هذا المعنى سارت بيانات أهل البيت (عليهم السلام) ، وهذا المعنى يبرز في المحاورة التي دارت بين الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) والحبر اليهودي عندما جاء إلى الإمام يسأله قائلاً : ( يا أمير المؤمنين متى كان ربّك فقال له : ثكلتك أُمّك ، ومتى لم يكن حتى يقال متى كان ؟! كان ربّي قبل القبل بلا قبل ، وبعد البعد بلا بعد ، ولا غاية له ، ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنده ، فهو منتهى كل غاية ) ، وهنا يبهت الرجل ، وتبهره هذه الكلمات ، فيبادر الإمام بقوله : ( يا أمير المؤمنين أفنبي أنت ؟! فقال : ويلك أنا عبد من عبيد محمد … )  (2) أي بمعنى التلميذ الذي أخذ عنه علمه ومعرفته في أمر دينه ودنياه .
هذا مضافاً إلى أنّ الكثير من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المجال والتي ترشد إلى أهمية معرفة التوحيد معرفة صحيحة ، ودورها في انشراح النفوس والصدور ، وما تكتنزه من الثواب والأجر الكبير للموحّدين ، ولذا نجد أنّ أحد كبار علمائنا المحدّثين ، وهو أبو جعفر بن علي بن الحسين المشهور بالصدوق ، قد أفرد كتاباً خاصاً في التوحيد وحقيقته وفضله ، ونجده يخصص باباً خاصاً بعنوان ( ثواب الموحدين ) ، يسرد فيه عدداً كبيراً من الأحاديث الشريفة في هذا المضمار ، منها ما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : ( خير العبادة قول لا إله إلاّ الله ) (3) ، وروى أيضاً (رحمه الله) في كتابه المذكور عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : ( إنّ أساس الدين التوحيد والعدل ) (4) ، وجاء أيضاً عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : ( قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : التوحيد ثمن الجنّة ) (5) ، وعن علاء بن الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ :
( فِطْرَتَ اللهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا ) ، ( قال : التوحيد ) (6) ، وما إلى ذلك من الروايات المتضافرة في هذا المجال ، كل ذلك يكشف عن صرح بناء المعرفة التوحيدية عند الشيعة ، ويكون ذلك ردّاً قاصماً لأصحاب الأفكار المغلقة التي تكيل الاتهامات للآخرين من دون روية .

ثانياً : ترابط أُصول الدين
إنّ الشيء الذي يسترعي الالتفات إلى أنّ المنظومة الدينية عبارة عن مركّب ذي حلقات مترابطة : التوحيد ، النبوّة ، العدل ، المعاد ، الإمامة ، فهي كالصلاة التي يُعبّر عنها بالمركّب الارتباطي ، بتحقّقها مجتمعة يتحقق الكل .
وعلى هذا الأساس فإنّ التوحيد الحق والمطلوب المرضي عند الله تعالى لا يتحقق إلاّ اعتقد الإنسان بهذه الأصول الخمسة ، وأنّ الإخلال بأيّ حلقة من حلقات هذا المركّب يؤدّي إلى الإخلال بالتوحيد المطلوب المرضي عند الله تعالى ، الذي هو غاية الغايات وليس وراءه غاية .
ومن هنا فإنّ الروايات المختلفة لدى السنّة والشيعة تشير إلى أنّ كفر إبليس ليس كفر شرك ؛ لأنّه لم يعبد غير الله ، وإنّما كان جحوده واستكباره على الله عزّ وجلّ في توحيده في مقام الطاعة ، وقد ورد في بعض الروايات أنّه طلب من الله تعالى إعفاءه من السجود لآدم (عليه السلام) ، وسوف يعبده عبادة لا نظير لها ، وما كان الجواب من الحق تعالى هو : ( إنّي أحب أن أطاع من حيث أريد )  (7)  ، وفي رواية أخرى : ( إنّما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تُريد )  (8)  .
وبناءً على ما سبق وتأسيساً عليه ، فإن التوحيد الحق والمطلوب والمرضي عند الله تعالى لا يتحقق إلاّ من خلال الطريق الذي رسمه الله لنا ، قال تعالى : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (9) ، وقال تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (10) ، فأهمية الإمامة تكمن في دورها الأساسي في رسم معالم التوحيد المرضي عند الله عزّ وجلّ .
وبعد هذه الإطلالة السريعة اتضح لنا أهمية التوحيد عند الشيعة ، وزيف قول صاحب الشبهة : إنّ الإمامة أهم من التوحيد لدى الشيعة .

ثالثاً : الولاية فرع التوحيد
إنّ الروايات التي جاءت في تعظيم شأن الولاية جعلتها في قِبال الصلاة والصوم والزكاة والحج ، وذكرت أنّ الولاية أعظم منها ، ولم تجعل الولاية في قِبال التوحيد ، فضلاً عن تفضيلها عليه ، كما جاء ذلك :
1 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) : ( بُني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ) (11)  .
2 ـ عنه أيضاً (عليه السلام) : ( بُني الإسلام على خمس : إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم شهر رمضان ، والولاية لنا أهل البيت ، فجعل في أربعة منها رخصة ، ولم يجعل في الولاية رخصة ) (12) .
وأين هذا من تفضيل الولاية على التوحيد ؟!!
بل لعلّ هذه الروايات صريحة في أنّ الولاية ليست بمستوى التوحيد ، بل هي فرع هذه الشجرة الطيّبة ، وهي شجرة التوحيد .

الخلاصة
1 ـ إنّ التراث الشيعي الضخم يشهد على مكانة وعظمة التوحيد عند الشيعة ، وهذا واضح لمَن كان له أدنى اطلاع على روايات أهل البيت (عليهم السلام) وكيفية تعظيمهم وتقديسهم للذات الإلهية ، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( أوّل الدين معرفته ) .
2 ـ إنّ التوحيد المرضي عند الله تعالى إنّما يتحقق من حيث يريد هو عزّ وجلّ لا من حيث يريد العبد ، وقد رسم الله تعالى الطريق في قوله : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) وقد تضافرت الروايات عنه (صلّى الله عليه وآله) على وجوب مودّة أهل البيت (عليهم السلام) وموالاتهم واتباعهم والتمسّك بهم ، كما هو مقتضى حديث الثقلين والسفينة والغدير ونحوها .
إذن الجحود بحق أهل البيت (عليهم السلام) وعدم موالاتهم ونصب العداوة لهم تعني عدم طاعة الله ورسوله ، وبالتالي لا يتحقق التوحيد المرضي عنده تعالى .
3 ـ الروايات التي اعتنت بالولاية إنّما جعلتها قِبال الصلاة والصوم والحج ونحوها ، ولم تجعلها في قبال التوحيد .