ألروایات الناهیة عن تکذیب الراوی”اشکال و ردود”

لمّا فرغت أيادي أتباع أحمد البصري من الدليل المستند في إبطال علم الرجال أخذوا يسطرون رواية دونهم . وفهمها والوقوف على حقيقة مغزاها وبه فهمهم منها صاروا يستدلون بها على زعمهم. حيث كانوا يخالون أنَّ هذه الحقبة من الروايات تساعدهم في إثبات مطلوبهم وإنشاد غرضهم . ومن سوء حظهم ودناءة مستواهم العلمي تمسكوا بها فإنَّها […]

لمّا فرغت أيادي أتباع أحمد البصري من الدليل المستند في إبطال علم الرجال أخذوا يسطرون رواية دونهم .

وفهمها والوقوف على حقيقة مغزاها وبه فهمهم منها صاروا يستدلون بها على زعمهم.

حيث كانوا يخالون أنَّ هذه الحقبة من الروايات تساعدهم في إثبات مطلوبهم وإنشاد غرضهم .

ومن سوء حظهم ودناءة مستواهم العلمي تمسكوا بها فإنَّها لا تمت بصلة لما يرمون إليه.

 

 

 

سنسرد الروايات ونقف عليها دراية ونقاشاً في متونها، وقبل الدخول في أعماق البحث لابد لنا أن نشير إلى نقطتين جديرتين بالإهتمام.

 

 

 

نظرتنا الى الروايات ستكون على قسمين:

١. الروايات المفيدة للعلم

نظير الروايات المتواترة أو التي قرنتها قرينة عضدت قطعيتها أو الأحاديث الصحيحة أو المستفيضة المقترنة أو الحسنة المشهورة و… المفيدة للعلم التي تورث الإطمئنان في النفس في صدورها عن المعصوم (عليه السلام) وتكون حجيتها بدرجة الآية القرآنية والعمل بها والأخذ بها حجة دون أيِّ شك عيب.

 

٢. الروايات المفيدة للظن

نظير الروايات الضعيفة أو المنكرة أو الشاذة و… فهذه لا تفيد العلم فلا يسعنا أن نقطع بصدورها عن لسان المعصوم (عليه السلام) لما فيها من وهن سنديٍّ يجعلنا ان نتوقف في تكذيبها أو الأخذ بها حيث لا تكون أساسا لأيِّ مبني ديني عندنا أبداً بل تبقى في دائرة الظنون متروكة.

 

أمّا الروايات التي لابد من الفحص فيها والنقاش حولها فهي كالآتي:

 

١. النهي عن تكذيب الراويات حتى لو كان الرواي كذاباً والمتن مناقض للعقل:

 

قد روى سفيان بن سمط:

 

قلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع:

 

جُعِلْتُ فِدَاكَ يَأْتِينَا الرَّجُلُ‏ مِنْ‏ قِبَلِكُمْ‏ يُعْرَفُ بِالْكَذِبِ فَيُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ فَنَسْتَبْشِعُهُ.

 

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع: «يَقُولُ لَكَ: إِنِّي قُلْتُ الليل [لِلَّيْلِ‏] إِنَّهُ نَهَارٌ، وَ النهار [لِلنَّهَارِ] إِنَّهُ لَيْلٌ؟»

 

قُلْتُ: لَا،

 

قَالَ: «فَإِنْ قَالَ لَكَ هَذَا إِنِّي قُلْتُهُ فَلَا تُكَذِّبْ بِهِ، فَإإِنَّكَ إِنَّمَا تُكَذِّبُنِي ».

 

مختصربصائر الدرجات ۷۶

 

 

 

الإجابة عن هذه الرواية:

لابد من الالتفات إلى نقطتين في هذه الرواية هما: فو جاءنا المكذِّب برواية هل لنا أن نكذبه بسرعة دون تروٍ حتى نكون مشمولين لهذه الرواية؟

 

الجواب هو لا بل ما اتفقت عليه كلمة شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّنا موظفون بحسب القرآن الكريم، علينا أن نتبع صحة الاحاديث من خلال الحجج والبراهين ولو يثبت لدينا صحة حديث بحسب هذه الحجج نسكت عنه لا نعمل به ولا نكذبه ونردعه تماماً، إلّا أن تنهض الحجج بكذبه، ونظراً لما قاله (عليه السلام):

 

«فَإِنْ قَالَ لَكَ هَذَا إِنِّي قُلْتُهُ فَلَا تُكَذِّبْ بِهِ، فَإإِنَّكَ إِنَّمَا تُكَذِّبُنِي ».

 

يفهم أنَّ التكذيب جاء بعد العلم بصدور الحديث عن الإمام (عليه السلام) فيكون التكذيب لا من أجل كذب الراوي أو خداشة المتن، فالكلّ مسلم بهذا ولا يختلف عليه إثنان.

 

توضيحه:

 

الف): بما أنَّ النقل عن الكذاب غير محصل للإطمئنان فلا يقنع عاقل بنقله ويقر بصدوره ودون شك الإمام (عليه السلام) لا يأمر بما يخلاف العقل.

 

فلو ثبت لنا صحة حديث عن طريق غير علم الرجال وكان الراوي كذاباً فحينها لا يمكننا على الاعتماد على كذب الراوي في تكذيب الرواية.

 

ب): المعصوم (عليه السلام) لا يصدر من قولاً يناقض الحقيقة كأن يقول في اليل هو نهار أو العكس ولكنّه قد يصدر منه ما يكون مخالفاً للشرع او خلافاً للعلم لجهة خاصة كأن يكون في ظرف تقية. فلا يمكن تكذيب الرواي في حينها حيث لم يكذب الراوي في نقله، بل هو ينقل ما قاله الإمام (عليه السلام) ولكن دون إرادة منه، إذاً لا يستويان كل ما قاله الإمام (عليه السلام) والحقيقة ويعتدلان في الكفتين، ولا يفهم هذا إلّا من كان محترفاً في علم الحديث وعرفان مواضع التقية وغيرها كالعلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه).

 

 

 

٢. الروايات النهاية عن تكذيب الرواية حتى لو جُهل حال الراوي:

قالَ النَّبِيُّ (ص): مَنْ رَدَّ حَدِيثاً بَلَغَهُ عَنِّي فَأَنَا مُخَاصِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِذَا بَلَغَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ لَمْ تَعْرِفُوا فَقُولُوا اللَّهُ أَعْلَم.

 

بحارالانوار، ج ‏۲، ص۲۱۲.

 

الجواب:

مفاد هذا الحديث هو الرد، فيما لو جاءتنا رواية وقد جهلناها فاللازم علينا أن لا نردعها ونرفضها بل نقول:اللَّهُ أَعْلَم،

ومن الواضح هو الفرق بين رد الحديث والاعتقاد بصحته والجزم بصدوره، بمعنى أنِّنا لا نكذب الحديث ولا نصدقه بل نترك أمرها إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) فلا يكون لنا مصدراً نتكي عليه بالإستنباط والاعتماد في المباني.

 

 

 

٣. النهي تكذيب روايات تخالف عقيدتنا ولا تتسالم معها:

يا جَابِرُ حَدِيثُنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ أَمْرَدُ ذَكْوَانُ وَعْرٌ أَجْرَددُ لَا يَحْتَمِلُهُ وَ اللَّهِ إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ مُؤْمِنٌ ‏مُمْتَحَنٌ

 

فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ يَا جَابِرُ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَمْرِنَا فَلَانَ لَهُ قَلْبُكَ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَ إِنْ أَنْكَرْتَهُ فَرُدَّهُ إِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ

 

وَ لَا تَقُلْ كَيْفَ جَاءَ هَذَا وَ ‏كَيْفَ كَانَ وَ كَيْفَ هُوَ فَإِنَّ هَذَا وَ اللَّهِ الشِّرْكُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ

 

بحار الأنوار، ج۲، ص۲۰۸.

 

 

 

الجواب:

هذا الحديث جاء في شأن الأحاديث الصعبة المستصعبة ولا علاقة لها بنفي علم الرجال وإبطاله.

 

بل هذه الرواية وامثالها صريحة في تأييد منهجية علم الرجال، لأنَّ علم الرجال لا يبطل الحديث بمجرد ضعف سنده حتى يكون شاملاً لمن يأخذ بعلم الرجال.

 

بل لو لم نستوفي قرينة تشهد لنا بصحة صدوره عن المعصوم (عليه السلام) نتركه وشأنه دون تكذيبه وهذا ما يطابق ما وردنا عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام):

 

… فَمَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَدِيثِ آلِ مُحَمَّدٍ ص فَلَانَتْ لَهُ قُلُوبُكُمْ وَ عَرَفْتُمُوهُ فَاقْبَلُوهُ وَ مَا اشْمَأَزَّتْ مِنْهُ قُلُوبُكُمْ وَ أَنْكَرْتُمُوهُ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى الْعَالِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ… الکافی، ج۱، ص ۴۰۱، ح۱.

 

 

 

٤. عدم العناية بالوثاقة وعدم وثاقة الراوي:

لا تَقُلْ لِمَا بَلَغَكَ عَنَّا وَ نُسِبَ إِلَيْنَا هَذَا بَاطِلٌ وَ إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِنَّا خِلَافَهُ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لِمَا قُلْنَاهُ وَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَصَفْنَاه‏

 

الکافی، ‏ج ۸، ص ۱۲۵.

 

 

 

الجواب:

تصرح هذه الرواية:

أنَّ من الممكن ان تكون الروايات صادرة في ظرف خاص نظير أن يكون الإمام (عليه السلام) في موقع تقية فيتقول بما يخالف الشرع أو يناقض العقل أو مخالف للعلم.

 

الفرز بين هذه الروايات وغيرها من اختصاصات اهل الحديث ولا يسع كلُّ أحد الخوض فيها. ونكست عنها ولا نأخذ بها ولا نعمل بها.

 

٥. النهي عن الاخذ من غير الشيعة كالأخذ عن المرجئة:

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، أَوْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ:

سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لاَ تُكَذِّبُوا اَلْحَدِيثَ أَتَاكُمْ بِهِ مُرْجِئِيٌّ وَ لاَ قَدَرِيٌّ وَ لاَ خَارِجِيٌّ نَسَبَهُ إِلَيْنَا، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ لَعَلَّهُ مِنَ اَلْحَقِّ، فَتُكَذِّبُونَ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوْقَ عَرْشِهِ»

 

المحاسن، ج۱، ص ۲۳۰.

 

الجواب:

أولاً: لو وصلنا حديث عن غير أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فلا ترفض الروايات لصرف ناقلها غير شيعي. بل نجعلها رواية تفيد الظن لا أقلَّ ولا أكثر، ولكن لا يعتمد عليها دليلاً في الاستنباط أو اتخاذ المباني.

 

ثانياً: من المباني التي اشتهرت وتلقبت القبول بين علماء الشيعة نظير السيد الخوئي (قدس سره) هو عدم التلازم بين فساد المذهب

 

والكذب.قد يكون الشخص صحيح العقيدة كاذباً في نقله أو أن يكون فاسد المذهب صادق النقل،

فركون اتباع البصري الى نظير هذه الروايات غير مجدي لهم،

لأنَّه قد ثبت في الرجال لو صح راو فاسد العقيدة ويصدق في النقل يمكن الأخذ منه في روايته ولا دليل على طرح نقله وتسمى هكذا راويات في علم الرجال الموفقة.

 

 

 

٦. النظر إلى محتوا ما يقول لا إلى من قال:

أمیرالمؤمنین (علیه السلام):اُنْظُرْ إِلَى مَا قَالَ وَ لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْ قَالَ .

غرر الحکم و درر الکلم ج ۱، ص ٣٦١.

 

الجواب:

أولاً: قد نقلت هذه الرواية في موضع ثان غير هذا هكذا: خُذِ اَلْحِكْمَةَ مِمَّنْ أَتَاكَ بِهَا وَ اُنْظُرْ إِلَى مَا قَالَ وَ لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْ قَالَ . (عيون ، ٢٤١)، فمحل النقاش في الرواية هي الحكمة ولا غيرها فقد ورد عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : عِلْمُهُ اَلَّذِي يَأْخُذُهُ مِمَّنْ يَأْخُذُهُ .

فيمكننا أن نفصل وفق هذا الحديث أنَّ في المسائل العلمية القول مقدم على القائل، في حين في الأمور العقدية والدينية يكون القائل مهماً حيث لا يسعنا الأخذ بعقيدتنا عن أيِّ شخص كان.

 

 

 

ثانياً: يمكن للإنسان أن يصغي إلى حديث مختلف الناس ويأخذ بما يراه صحيحاً ولكن عليه أن يكون ذا نظرة حاذقة ودقيقة حتى يمنه فرز الرأي الأصح في المسألة

 

فلو يمكن من اصحاب النظر لابد له من الرجوع إلى أهل النظر كما أمر القرآن الكريم: « فَسئَلوا أهلَ الذِّکر إن کُنتُم لا تَعلَمون» (نحل ۴۳).

 

فهذه الرواية مختصة بأهل التشخيص دون غيرهم،.

 

 

 

ثالثاً: تتم مناقشة الروايات على طريقين في علم الحديث:

 

الطريقة الأولى: مناقشة المتن ويصطلح عليه في علم الحديث بعلم الدراية.

 

 

 

الطريقة الثانية: معرفة أحوال رواة الحديث وهذا تكفل به علم الرجال.

 

فهذان العلمان يكملان احدهما الآخر وبهما تعرف الرواية.

 

| لمّا فرغت أيادي أتباع أحمد البصري من الدليل المستند في إبطال علم الرجال أخذوا يسطرون رواية دونهم .

وفهمها والوقوف على حقيقة مغزاها وبه فهمهم منها صاروا يستدلون بها على زعمهم.

حيث كانوا يخالون أنَّ هذه الحقبة من الروايات تساعدهم في إثبات مطلوبهم وإنشاد غرضهم .

ومن سوء حظهم ودناءة مستواهم العلمي تمسكوا بها فإنَّها لا تمت بصلة لما يرمون إليه.

 

 

 

سنسرد الروايات ونقف عليها دراية ونقاشاً في متونها، وقبل الدخول في أعماق البحث لابد لنا أن نشير إلى نقطتين جديرتين بالإهتمام.

 

 

 

نظرتنا الى الروايات ستكون على قسمين:

١. الروايات المفيدة للعلم

نظير الروايات المتواترة أو التي قرنتها قرينة عضدت قطعيتها أو الأحاديث الصحيحة أو المستفيضة المقترنة أو الحسنة المشهورة و… المفيدة للعلم التي تورث الإطمئنان في النفس في صدورها عن المعصوم (عليه السلام) وتكون حجيتها بدرجة الآية القرآنية والعمل بها والأخذ بها حجة دون أيِّ شك عيب.

 

٢. الروايات المفيدة للظن

نظير الروايات الضعيفة أو المنكرة أو الشاذة و… فهذه لا تفيد العلم فلا يسعنا أن نقطع بصدورها عن لسان المعصوم (عليه السلام) لما فيها من وهن سنديٍّ يجعلنا ان نتوقف في تكذيبها أو الأخذ بها حيث لا تكون أساسا لأيِّ مبني ديني عندنا أبداً بل تبقى في دائرة الظنون متروكة.

 

أمّا الروايات التي لابد من الفحص فيها والنقاش حولها فهي كالآتي:

 

١. النهي عن تكذيب الراويات حتى لو كان الرواي كذاباً والمتن مناقض للعقل:

 

قد روى سفيان بن سمط:

 

قلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع:

 

جُعِلْتُ فِدَاكَ يَأْتِينَا الرَّجُلُ‏ مِنْ‏ قِبَلِكُمْ‏ يُعْرَفُ بِالْكَذِبِ فَيُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ فَنَسْتَبْشِعُهُ.

 

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع: «يَقُولُ لَكَ: إِنِّي قُلْتُ الليل [لِلَّيْلِ‏] إِنَّهُ نَهَارٌ، وَ النهار [لِلنَّهَارِ] إِنَّهُ لَيْلٌ؟»

 

قُلْتُ: لَا،

 

قَالَ: «فَإِنْ قَالَ لَكَ هَذَا إِنِّي قُلْتُهُ فَلَا تُكَذِّبْ بِهِ، فَإإِنَّكَ إِنَّمَا تُكَذِّبُنِي ».

 

مختصربصائر الدرجات ۷۶

 

 

 

الإجابة عن هذه الرواية:

لابد من الالتفات إلى نقطتين في هذه الرواية هما: فو جاءنا المكذِّب برواية هل لنا أن نكذبه بسرعة دون تروٍ حتى نكون مشمولين لهذه الرواية؟

 

الجواب هو لا بل ما اتفقت عليه كلمة شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّنا موظفون بحسب القرآن الكريم، علينا أن نتبع صحة الاحاديث من خلال الحجج والبراهين ولو يثبت لدينا صحة حديث بحسب هذه الحجج نسكت عنه لا نعمل به ولا نكذبه ونردعه تماماً، إلّا أن تنهض الحجج بكذبه، ونظراً لما قاله (عليه السلام):

 

«فَإِنْ قَالَ لَكَ هَذَا إِنِّي قُلْتُهُ فَلَا تُكَذِّبْ بِهِ، فَإإِنَّكَ إِنَّمَا تُكَذِّبُنِي ».

 

يفهم أنَّ التكذيب جاء بعد العلم بصدور الحديث عن الإمام (عليه السلام) فيكون التكذيب لا من أجل كذب الراوي أو خداشة المتن، فالكلّ مسلم بهذا ولا يختلف عليه إثنان.

 

توضيحه:

 

الف): بما أنَّ النقل عن الكذاب غير محصل للإطمئنان فلا يقنع عاقل بنقله ويقر بصدوره ودون شك الإمام (عليه السلام) لا يأمر بما يخلاف العقل.

 

فلو ثبت لنا صحة حديث عن طريق غير علم الرجال وكان الراوي كذاباً فحينها لا يمكننا على الاعتماد على كذب الراوي في تكذيب الرواية.

 

ب): المعصوم (عليه السلام) لا يصدر من قولاً يناقض الحقيقة كأن يقول في اليل هو نهار أو العكس ولكنّه قد يصدر منه ما يكون مخالفاً للشرع او خلافاً للعلم لجهة خاصة كأن يكون في ظرف تقية. فلا يمكن تكذيب الرواي في حينها حيث لم يكذب الراوي في نقله، بل هو ينقل ما قاله الإمام (عليه السلام) ولكن دون إرادة منه، إذاً لا يستويان كل ما قاله الإمام (عليه السلام) والحقيقة ويعتدلان في الكفتين، ولا يفهم هذا إلّا من كان محترفاً في علم الحديث وعرفان مواضع التقية وغيرها كالعلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه).

 

 

 

٢. الروايات النهاية عن تكذيب الرواية حتى لو جُهل حال الراوي:

قالَ النَّبِيُّ (ص): مَنْ رَدَّ حَدِيثاً بَلَغَهُ عَنِّي فَأَنَا مُخَاصِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِذَا بَلَغَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ لَمْ تَعْرِفُوا فَقُولُوا اللَّهُ أَعْلَم.

 

بحارالانوار، ج ‏۲، ص۲۱۲.

 

الجواب:

مفاد هذا الحديث هو الرد، فيما لو جاءتنا رواية وقد جهلناها فاللازم علينا أن لا نردعها ونرفضها بل نقول:اللَّهُ أَعْلَم،

ومن الواضح هو الفرق بين رد الحديث والاعتقاد بصحته والجزم بصدوره، بمعنى أنِّنا لا نكذب الحديث ولا نصدقه بل نترك أمرها إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) فلا يكون لنا مصدراً نتكي عليه بالإستنباط والاعتماد في المباني.

 

 

 

٣. النهي تكذيب روايات تخالف عقيدتنا ولا تتسالم معها:

يا جَابِرُ حَدِيثُنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ أَمْرَدُ ذَكْوَانُ وَعْرٌ أَجْرَددُ لَا يَحْتَمِلُهُ وَ اللَّهِ إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ مُؤْمِنٌ ‏مُمْتَحَنٌ

 

فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ يَا جَابِرُ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَمْرِنَا فَلَانَ لَهُ قَلْبُكَ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَ إِنْ أَنْكَرْتَهُ فَرُدَّهُ إِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ

 

وَ لَا تَقُلْ كَيْفَ جَاءَ هَذَا وَ ‏كَيْفَ كَانَ وَ كَيْفَ هُوَ فَإِنَّ هَذَا وَ اللَّهِ الشِّرْكُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ

 

بحار الأنوار، ج۲، ص۲۰۸.

 

 

 

الجواب:

هذا الحديث جاء في شأن الأحاديث الصعبة المستصعبة ولا علاقة لها بنفي علم الرجال وإبطاله.

 

بل هذه الرواية وامثالها صريحة في تأييد منهجية علم الرجال، لأنَّ علم الرجال لا يبطل الحديث بمجرد ضعف سنده حتى يكون شاملاً لمن يأخذ بعلم الرجال.

 

بل لو لم نستوفي قرينة تشهد لنا بصحة صدوره عن المعصوم (عليه السلام) نتركه وشأنه دون تكذيبه وهذا ما يطابق ما وردنا عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام):

 

… فَمَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَدِيثِ آلِ مُحَمَّدٍ ص فَلَانَتْ لَهُ قُلُوبُكُمْ وَ عَرَفْتُمُوهُ فَاقْبَلُوهُ وَ مَا اشْمَأَزَّتْ مِنْهُ قُلُوبُكُمْ وَ أَنْكَرْتُمُوهُ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى الْعَالِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ… الکافی، ج۱، ص ۴۰۱، ح۱.

 

 

 

٤. عدم العناية بالوثاقة وعدم وثاقة الراوي:

لا تَقُلْ لِمَا بَلَغَكَ عَنَّا وَ نُسِبَ إِلَيْنَا هَذَا بَاطِلٌ وَ إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِنَّا خِلَافَهُ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لِمَا قُلْنَاهُ وَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَصَفْنَاه‏

 

الکافی، ‏ج ۸، ص ۱۲۵.

 

 

 

الجواب:

تصرح هذه الرواية:

أنَّ من الممكن ان تكون الروايات صادرة في ظرف خاص نظير أن يكون الإمام (عليه السلام) في موقع تقية فيتقول بما يخالف الشرع أو يناقض العقل أو مخالف للعلم.

 

الفرز بين هذه الروايات وغيرها من اختصاصات اهل الحديث ولا يسع كلُّ أحد الخوض فيها. ونكست عنها ولا نأخذ بها ولا نعمل بها.

 

٥. النهي عن الاخذ من غير الشيعة كالأخذ عن المرجئة:

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، أَوْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ:

سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لاَ تُكَذِّبُوا اَلْحَدِيثَ أَتَاكُمْ بِهِ مُرْجِئِيٌّ وَ لاَ قَدَرِيٌّ وَ لاَ خَارِجِيٌّ نَسَبَهُ إِلَيْنَا، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ لَعَلَّهُ مِنَ اَلْحَقِّ، فَتُكَذِّبُونَ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوْقَ عَرْشِهِ»

 

المحاسن، ج۱، ص ۲۳۰.

 

الجواب:

أولاً: لو وصلنا حديث عن غير أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فلا ترفض الروايات لصرف ناقلها غير شيعي. بل نجعلها رواية تفيد الظن لا أقلَّ ولا أكثر، ولكن لا يعتمد عليها دليلاً في الاستنباط أو اتخاذ المباني.

 

ثانياً: من المباني التي اشتهرت وتلقبت القبول بين علماء الشيعة نظير السيد الخوئي (قدس سره) هو عدم التلازم بين فساد المذهب

 

والكذب.قد يكون الشخص صحيح العقيدة كاذباً في نقله أو أن يكون فاسد المذهب صادق النقل،

فركون اتباع البصري الى نظير هذه الروايات غير مجدي لهم،

لأنَّه قد ثبت في الرجال لو صح راو فاسد العقيدة ويصدق في النقل يمكن الأخذ منه في روايته ولا دليل على طرح نقله وتسمى هكذا راويات في علم الرجال الموفقة.

 

 

 

٦. النظر إلى محتوا ما يقول لا إلى من قال:

أمیرالمؤمنین (علیه السلام):اُنْظُرْ إِلَى مَا قَالَ وَ لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْ قَالَ .

غرر الحکم و درر الکلم ج ۱، ص ٣٦١.

 

الجواب:

أولاً: قد نقلت هذه الرواية في موضع ثان غير هذا هكذا: خُذِ اَلْحِكْمَةَ مِمَّنْ أَتَاكَ بِهَا وَ اُنْظُرْ إِلَى مَا قَالَ وَ لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْ قَالَ . (عيون ، ٢٤١)، فمحل النقاش في الرواية هي الحكمة ولا غيرها فقد ورد عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : عِلْمُهُ اَلَّذِي يَأْخُذُهُ مِمَّنْ يَأْخُذُهُ .

فيمكننا أن نفصل وفق هذا الحديث أنَّ في المسائل العلمية القول مقدم على القائل، في حين في الأمور العقدية والدينية يكون القائل مهماً حيث لا يسعنا الأخذ بعقيدتنا عن أيِّ شخص كان.

 

 

 

ثانياً: يمكن للإنسان أن يصغي إلى حديث مختلف الناس ويأخذ بما يراه صحيحاً ولكن عليه أن يكون ذا نظرة حاذقة ودقيقة حتى يمنه فرز الرأي الأصح في المسألة

 

فلو يمكن من اصحاب النظر لابد له من الرجوع إلى أهل النظر كما أمر القرآن الكريم: « فَسئَلوا أهلَ الذِّکر إن کُنتُم لا تَعلَمون» (نحل ۴۳).

 

فهذه الرواية مختصة بأهل التشخيص دون غيرهم،.

 

 

 

ثالثاً: تتم مناقشة الروايات على طريقين في علم الحديث:

 

الطريقة الأولى: مناقشة المتن ويصطلح عليه في علم الحديث بعلم الدراية.

 

 

 

الطريقة الثانية: معرفة أحوال رواة الحديث وهذا تكفل به علم الرجال.

 

فهذان العلمان يكملان احدهما الآخر وبهما تعرف الرواية.

 

موقع دارالهداية